بحث عن القرآن الكريم
القُرآنُ الكَريمُ كلام الله، المنزَّل على رسوله محمد ³ بلسان عربي مبين بوساطة جبريل عليه السلام. المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر كتابة ومشافهة، المتعبد بتلاوته، المعجز بأقصر سورة منه، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس. وهو معجزة الإسلام الخالدة، قال تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾ الإسراء : 88.لهذا الكتاب الكريم أسماء كثيرة عدّها بعض المفسرين خمسة وخمسين اسمًا. وتوسّع بعضهم فأوصلها إلى نيف وتسعين. والناظر لهذه الأسماء يجد أن أكثرها صفات مثل: كريم، ومبارك، وقول فصل، وأمر الله، وروح ...إلخ. ولعل أشهر أسمائه هي: القرآن، الكتاب، الفرقان، التنزيل. وأشهرها الاسمان الأولان.
لكلمة قرآن معنيان: أحدهما لغوي، وهو مصدر بمعنى القراءة، وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿إن علينا جمعه وقرآنه ¦ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه﴾ القيامة : 17، 18. وثانيهما: عَلَم شخصي على ذلك الكتاب الكريم، وهذا هو الاستعمال الغالب، ومنه قوله تعالى: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ الإسراء: 9. وهناك من يرى أن كلمة قران من غير همزة غير مشتقة من القراءة، وإنما هي اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل في علميتهما. وتطلق كلمة قرآن وقران على القرآن كله وعلى بعضه فيقال لمن قرأ آية أو آيات: إنه قرأ قرآنًا.
وقد حدث الرسول ³ عن مكانة من يتعلم القرآن ويعلمه فقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه ) رواه البخاري والترمذي عن علي رضي الله عنه.
الإعجاز القرآني
أرسل الله نبيه محمدًا ³ إلى الناس كافة على فترة من الرسل بشيرًا ونذيرًا، كما أخبر سبحانه وتعالى بذلك في قوله: ﴿وما أرسلناك إلا كافّة للنّاس بشيرًا ونذيرًا﴾ سبأ: 28. وأيّدهُ بالمعجزات الباهرات، ومن أجلِّها وأعظمها معجزة القرآن الكريم، أنزله بلسان عربيّ مبين؛ لأنه لسان قومه الذين بعث فيهم. ومن سننه سبحانه، أنه ما أرسل من رسول إلا بلسان قومه، كما أخبر بذلك في سورة إبراهيم: ﴿وما أرسَلْنا مِنْ رَسُول إلاّ بِلسَان قوْمِه ليبيَّن لهم﴾ إبراهيم: 4. وهذا من لطف الله تعالى بخلقه، أن يرسل إليهم رسلاً بلغاتهم ليفهموا منهم ما يريدون إبلاغه لهم وقد قضت سنة الله أنه ما أرسل من رسول إلا أيّده بمعجزة تؤيده في دعوته.
والمعجزة. أمر خارق للعادة يُظهرُه الله على يد صاحب الرسالة، برهانًا قاطعًا على صدقه، وأنه مُبَلِّغٌ عن الله.
والمعجزة نوعان: حسية ومعنوية. وقد كانت كل معجزات الرسل الذين سبقوا محمدًا ³ من النوع الأول، كمعجزات موسى عليه السلام، مثل العصا المشار إليها في قوله تعالى: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى ¦ قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ¦ قال ألقها ياموسى ¦ فألقاها فإذا هي حية تسعى ¦ قال خُذْها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى﴾ طه: 17 21. وكمعجزة الناقة لصالح عليه السلام، وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى عليه السلام وهكذا..
وهذه المعجزات قد انقضت بزمانها، وبقيت أخبارها للعبرة والعظة، ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يُفْتَرى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ يوسف : 111.
أما النوع الثاني فهو المعجزة المعنوية. وهي معجزة تدرك بالعقل. وهذه معجزة سيدنا محمد ³، وهي القرآن الكريم.
يثبت مما تقدم أن معجزات الأنبياء الذين سبقوا رسول الله ³، قد انقضت بانقضاء العصور التي نزلت فيها. وانتهت بانتهاء الأقوام الذين حلت بينهم، وكانت معجزات حسية. أما معجزة القرآن الكريم فهي باقية بقاء الرسالة المحمدية؛ ذلك أن رسالة رسول الله ³ قد استوعبت الزمان والمكان، فكان لابد من استمرار المعجزة، بمعنى أنه إذا ارتاب قوم في صدق رسول الله ³ في عصرنا الحاضر، فكيف نأتي بالرسول ليطالبوه بمعجزة تدل على صدقه؟ ومن هنا كان القرآن الكريم نفسه بيانًا ومعجزة في آن واحد.
وكلما تقدَّم العلم المادي، انكشف من وجوه إعجاز القرآن وجه يقمع رموز منكريه، ويهدي به الله الآلاف المؤلفة في كل عصر، وهو ما نشاهده الآن وما شاهدناه قبل الآن، وما ستشهده الأجيال القادمة بعد الآن بإذن الله.
مراحل التحدي في إعجاز القرآن. لقد تدرّج القرآن في تحدي القوم على مراحل: ففي المرحلة الأولى طلب منهم أن يأتوا بحديث مثله حينما قالوا: إنه حديث مُفْترى. فقال الله تعالى: ﴿فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين﴾ الطور: 34. فلما عجزوا عن الإتيان بمثله، طلب الله سبحانه وتعالى منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات على زعمهم فقال جلَّ ذكره: ﴿أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾ هود : 13. فلما عجزوا، طلب الله سبحانه منهم أن يأتوا بسورة مثله، كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿وإن كنتم في ريب مما نزَّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين﴾ البقرة : 23.
ولما تكرر التحدي لهم بمراحل مختلفة، وظهر عجزهم مرة بعد أخرى، جاء التحدي النهائي لهم: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا﴾ الإسراء : 88.
لذلك كانت حجة الرسول ³ أن الله تعالى قد أنزل عليه كتابًا عربيًا مبينًا، يعرف العرب ألفاظه، ويفهمون معانيه إلا أنهم لا يقدرون على الإتيان بمثله، ولا بعشر سور مثله، ولا بسورة واحدة مثله، ولو جهدوا جهدهم، واجتمع معهم الجن والإنس.
القدر المعجز من القرآن. مما تقدم من بيان مراحل التحدي في القرآن، يظهر أن القدر المعجز من القرآن هو الإتيان بمثل أقصر سورة من سوره، وإذا علمنا أن أقصر سورة هي سورة الكوثر، وبها ثلاث آيات، فإن القدر المعجز من القرآن هو ثلاث آيات فأكثر